
بيت فيكتوريا
أوسكار توسكيتس، لويس كلوتيت | 1972-1975
جزيرة بانتليريا | إيطاليا
بانتليريا جزيرة إيطالية صغيرة تقع بين صقلية وتونس. تُعدّ من المناطق المحمية من الناحية الطبيعية والمعمارية، حيث تحظر القوانين الصارمة فيها إقامة أبنية جديدة، وتسمح فقط بتوسعة المباني الزراعية القديمة المعروفة باسم “دامّوسي“، بشرط ألا تتجاوز المساحة الجديدة مساحة البناء الأصلي.
الدامّوسي هو نموذج معماري بسيط في تكوينه الحجمي، تُبنى جدرانه من الحجارة البركانية المحلية، وتُغطّى بأسقف على شكل قباب مبنية من الآجر، تُشبه إلى حد كبير العمارة التقليدية في شمال إفريقيا، والعمارة الفلسطينية المبنية على منحدرات الجبال، على وجه التحديد. يعود أصلها إلى الفترة العربية حين كانت الجزيرة تحت الحكم العربي بين القرنين السادس والسابع الميلاديين. كانت هذه المباني تُستخدم في الأصل كمخازن صغيرة للأدوات الزراعية، وتنتشر على امتداد كروم العنب في الجزيرة. أما المساكن الريفية فكانت تتكوّن من مجموعة من هذه الوحدات التي تزداد عددًا حسب الحاجة. ومن اللافت أن هذه الوحدات تتكامل مع النظام الزراعي المعتمد على المدرّجات الحجرية الأفقية التي تُسهل الزراعة في التضاريس الجبلية، وكان الوصول إلى الدامّوسي يتم عبر ممرات ضيقة للمواشي والبغال تنحدر نحو البحر.

تم بناء بيت فيكتوريا لعائلة توسكيتس في السبعينيات، في فترة كان الوصول فيها إلى الجزيرة صعبًا والطبيعة فيها لا تزال خامًا. جاء المشروع نتيجة مبادرة خاصة من قريبة المعماري، فيكتوريا توسكيتس، التي اشترت قطعة أرض في الساحل الشمالي البري للجزيرة، كانت تضم دامّوسيين قديمين متلاصقين، في منطقة لا تسمح فيها القوانين إلا بتوسعة الأبنية القائمة. رغم الميزانية المتواضعة، أُنجز البيت بروح كاملة. لاحقًا، بقي البيت ضمن العائلة، وتم الحفاظ على جوهره، مع إدخال تعديلات طفيفة كتوسيع داخلي أو إضافة مدفأة، بما يتلاءم مع متطلبات الاستخدام المعاصر دون المساس بالشكل أو الروح العامة. زُرعت نخلة في فناء المنزل تخليدًا لذكرى صاحبة البيت، وتحوّلت النباتات، وتطوّر الأثاث، بينما حافظ البيت على نواته المعمارية.
في هذا السياق الطبيعي البري والهادئ في آن، تطرح العمارة سؤالًا جماليًا وأخلاقيًا معًا: كيف يمكن البناء في مشهد بهذه الروعة والعنفوان؟ كيف يمكن إضافة عمارة جديدة إلى بناء تاريخي دون أن نخون معناه أو نطمس حضوره؟ كيف يمكن خلق إطلالة (Belvedere) على البحر دون الوقوع في صمت الفراغ الذي يخنق ويُفقد المعنى؟ لا بد من تأطير هذا الفراغ، ترويضه، تأنيسه.
المبنى الأصلي يضم غرفة النوم الأساسية. أما الغرف الإضافية – كغرفة نوم ثانوية وحمام – فبُنيت على نفس المستوى دون المساس بجوهر الكتلة الأصلية. بينما تم دمج مساحة المعيشة والمطبخ في مستوى أدنى داخل الأرض، ما منحها صلة مزدوجة بالطبيعة: نحو البحر عبر فتحات وشرفات، ونحو الجبل من خلال فناء داخلي خلفي يسمح بمرور الضوء والتهوية المتقاطعة، وهي خاصية ضرورية في هذا المناخ الحار. السلم الخارجي يربط بين الشرفة السفلى المغطاة جزئيًا والطابق العلوي، ويوفر نقطة دخول إلى الفضاءات الداخلية. وعلى الرغم من أن الطابق السفلي مدفون جزئيًا، إلا أنه مفتوح باتجاهين، ما يخلق توازنًا بين الانغلاق والانفتاح.
يمنح المبنى انطباعًا بأنه مختفٍ خلف الأعمدة، وتوجد نوافذ في الفراغات بين الأعمدة، وبالتالي لا تظهر الواجهة بحد ذاتها، بل فقط النوافذ والفضاء الداخلي، مما يعطي إيحاءً بأن الداخل والخارج غير مفصولين بجدار واضح. ومن خلال الفناء الخلفي، يتم إدخال الطبيعة إلى داخل المنزل، حيث تُستخدم صخور الجبل كجزء من الحائط. كما أن التدرّج البنائي للمنزل يجعله منسجمًا تمامًا مع تضاريس المشهد الطبيعي.





تتميّز الواجهة بعناصر إنشائية واضحة مثل الأعمدة التي تدعم مظلات الصيف الضرورية، لكنها تمتد بعد وظيفتها لتكتسب دلالة رمزية. الخرسانة المكشوفة، رغم جودتها المتواضعة، تُركت على حالها، وبدت منسجمة مع طبيعة الموقع. سطح البيت يُستخدم لتجفيف الطماطم في الصيف، وهو تقليد محلي. وتظهر صور قديمة وحديثة لنفس الزاوية لتُظهر تحوّل المكان إلى كيان حي يعبّر عن مرور الزمن.
في بيت فيكتوريا، لا يظهر الفراغ بوصفه مساحة صامتة أو محايدة، بل كفراغ مؤطَّر يعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والطبيعة؛ تنبثق العمارة من ثنائية دقيقة تجمع العضوية والبساطة مقابل الصرامة والانضباط. فالبيت لا يقلّد الدامّوسي ولا يستنسخ رمزيته التاريخية، بل يستلهم من خشونة الدامّوسي وروحه التقشفية، ليُقدّم قراءة جديدة: أنقاض حديثة من الخرسانة، تُشكّل واجهة إيقاعية بأعمدة متكررة، خلفها تنبض الحياة اليومية المتغيّرة. هذا التكرار البنيوي، بما يحمله من صرامة وتناسق، لا يطمس العضوية الطبيعية للمكان، بل يحتضنها. الأعمدة لا تحجب البحر، بل تُؤطره، وتخلق فصلًا بصريًا رقيقًا يُعيد تشكيل العلاقة بين الكائن والمنظر، بين الحماية والانفتاح. من بعيد، يبدو المبنى كمعبد خفي، يندمج في التكوين الصخري، وتتحوّل الشرفات الواسعة إلى امتدادات لغرف المعيشة في الهواء الطلق، حيث تتفاعل الهياكل مع الضوء والظل، وتُعيد سرد إيقاع الطبيعة.





النص مُستند إلى مداخلات ومراجع معمارية لأوسكار توسكيتس، قام بتحريره وترجمته إلى العربية المعماري إلياس خوري
Location Pantelleria island, Italy
Architect Òscar Tusquets, Lluís Clotet
Interior designer Anna Bohigas
Program One Family House
Completion 1972-1975
Photography Jaume Blassi, Jordi Bernadó, Lluís Clotet and OTB