واحة سيدي حرازم
عزيزة شاؤني

قبل الاستقلال، كان السياحة الداخلية في المغرب تقتصر على المواسم (المهرجانات الدينية) والسياحة الحرارية. وكانت واحة سيدي حرازم (الواقعة على بعد خمسة عشر كيلومتراً من مدينة فاس) تمثل التقاء هذين النوعين، حيث يضم الموقع ضريح الولي الصالح سيدي حرازم، المحاط بعيون مائية حرارية قديمة اشتهرت بين المغاربة بخصائصها العلاجية. ويُعتقد أن موقع عين سيدي حرازم يعود إلى العهد الروماني، وفي القرن الثامن الميلادي، تم بناء ضريح لسيدي حرازم، مما جعل الحج إلى هذا المكان ممارسة شائعة. وبسبب شعبية الموقع، تم بناء ثلاثة أحواض خارجية جديدة حوالي عام 1937 بالقرب من الحوض القائم آنذاك.

 

في عام 1959، بعد أربع سنوات من استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي، قررت الدولة المغربية الناشئة الاستفادة من الشعبية الكبيرة لسيدي حرازم، واختارت الموقع ليكون مقراً لأول منشأة عامة كبرى للاستجمام: مجمع حمامات حرارية متطور. كُلّف صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، وهو الصندوق المغربي للتقاعد، المعماري جان-فرانسوا زفاكو بتحديث الموقع، وذلك عبر إدخال بنية تحتية سياحية حديثة تعزز مكانة المغرب كوجهة عالمية.

Image (1)

وُلد جان-فرانسوا زفاكو في الدار البيضاء لأسرة فرنسية-كورسيكية، وتلقى تعليمه الجامعي في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بباريس عام 1937، وهي فترة تزامنت مع الحرب العالمية الثانية. بعد انتهاء الحرب، عاد إلى الدار البيضاء وأسس مكتبه المعماري، حيث صمّم في البداية فيلات خاصة قبل أن يبدأ في بلورة رؤيته للحداثة المعمارية المتمركزة في السياق المحلي. قبل مشروعه في سيدي حرازم، صمّم زفاكو مطار تيط مليل بالشراكة مع دومينيك باسكيانو، بالإضافة إلى سلسلة من المدارس ذات الطابع الوحشي (Brutalist) في الدار البيضاء، والتي أدخلت لغة معمارية جديدة إلى المدينة. لكن مشروعه في سيدي حرازم كان بمثابة تجربة كبرى ونقلة نوعية في مسيرته، حيث أسس لاتجاه معماري جديد ظل يُشكل أسلوبه المهني في السنوات اللاحقة.

Image (2)

يمتد مجمع سيدي حرازم الحراري على وادٍ وواحة بمساحة 14 هكتاراً، وهو تحفة معمارية من الطراز الوحشي (Brutalist) تمزج بين الماء والطبيعة والخرسانة في انسجام فريد. قام زفاكو بتنسيق عناصر المجمع بدقة، حيث شملت المخطط العام ساحة مدخل، حوضين، فندقاً، 76 بنغالو، سوقين، حدائق وبرك مياه. تميز المشروع بدمج متقن بين المناظر الطبيعية، والمساحات العامة، والمباني، والشبكات المائية المتعددة. افتُتح المجمع للعامة عام 1969، وتم استكماله بالكامل بحلول عام 1975.

Image (3)

ورغم أن مجمع سيدي حرازم يُنظر إليه كأحد مشاريع الاستقلال والتحرر، فإنه يعكس أيضاً التناقضات الكامنة في الحركة المعمارية الحداثية. فقد تم تطوير المجمع بمنهجية “التطهير التام” (Tabula Rasa)، حيث اشترى صندوق الإيداع والتدبير (CDG) عام 1957 الأراضي الواقعة جنوب العين، مما أدى إلى ترحيل سكان القرية الأصلية إلى تلة مجاورة، حيث تأسست بلدة “سخينات”. وحتى اليوم، لا تزال مشاعر السكان المحليين متباينة تجاه المجمع، إذ يرى البعض فيه فرصة اقتصادية هامة، بينما يحنّ آخرون إلى ارتباطهم التاريخي بأرضهم.

منذ منتصف الثمانينات، تعرض الموقع للانحسار بسبب عدة عوامل، منها: (1) تراجع السياحة الحرارية لصالح السياحة الشاطئية، (2) إغلاق بعض المباني وتركها عرضة للتدهور، (3) عملية ترميم غير موفقة عام 2000 أثرت سلباً على سلامة الموقع المعمارية، و(4) ظهور أسواق غير رسمية بسبب نقص البنية التحتية الملائمة.

بدعم من برنامج “الحفاظ على الحداثة” التابع لمعهد جيتي للترميم، طورت “مشاريع عزيزة الشاوني” خطة لإدارة الحفظ وإستراتيجية لإعادة الاستخدام، إضافة إلى مبادرات ثقافية لإحياء مجمع سيدي حرازم الحراري. تركز أبحاثنا وممارساتنا على تحقيق توازن بين الاحتفاء بإبداع زفاكو، وإبراز سيدي حرازم كموقع حداثي هام في إفريقيا، وبين تعزيز الحوار المفتوح مع المجتمع المحلي حول إرثه الثقافي وأراضيه.

Image (4)

في عام 2017، حصل سيدي حرازم على منحة “الحفاظ على الحداثة”، والتي أفضت إلى تطوير خطة إدارة الحفظ (CMP). ورغم التزامات تنفيذها، فإن الجهة المالكة للموقع (CDG) تفكر حالياً في بيعه نتيجة تراجع العائدات السياحية خلال جائحة كوفيد-19.

Image (5)

اليوم، أغلقت بعض أجزاء الموقع المملوكة لصندوق التقاعد العام أمام الجمهور بحجة “مخاوف تتعلق بالسلامة”، فيما أصبح الفندق شبه مهجور. ومع ذلك، لا يزال السكان المحليون يستخدمون الأجزاء العامة من الموقع التي تديرها الجماعة القروية، حيث يستغلون مصادر المياه للشرب والغسيل، كما تُقام أسواق غير رسمية رغم افتقارها للخدمات الأساسية. وقد عانى المجتمع المحلي من حالة الجمود هذه، إذ يعتمد العديد من سكان سخينات على السياحة الموسمية، حيث يستضيفون زواراً صيفاً ويعملون كباعة داخل المجمع. في أغسطس 2020، تعرض السوق غير الرسمي في سيدي حرازم لحريق ناتج عن ماس كهربائي، ما دفع “مشاريع عزيزة الشاوني” إلى التعاون مع التجار المحليين لتصميم أكشاك مؤقتة للحفاظ على مصادر رزقهم.

ورغم الجمود السياسي الذي يؤثر على الموقع، تواصل “مشاريع عزيزة الشاوني” الدعوة للحفاظ عليه بالتنسيق مع المجتمع المحلي. نحن ننتظر التطبيق التدريجي لخطة إدارة الحفظ، التي طُوّرت بشكل تشاركي مع المجتمع المحلي والقائمين على تشغيل سيدي حرازم

Image (6)